زواج عائشة رضي الله عنها بين الوحي والحداثة !!
رداً على ما كتبه الأخ العزيز والزميل الفاضل أ.د أحمد القرالة في مقالة بعنوان " زواج عائشة رضي الله عنها" يوم الجمعة 16 /8 / 20199، في جريدة الغد.
الأخ العزيز أ.د أحمد القرالة المحترم، اسمح لي بداية أن أقدم لكم التقدير والاحترام على موقفك الراقي بمبادرتك بنشر ردي على مقالتكم،واسمح لي ثانياً أن أتقمص أسلوبك الذي ناقشت فيه قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها،وتنزيله على قصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام الواردة في سورة الكهف الآية 74 قال تعالى : (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ)، خرج موسى والرجل الصالح يتجولان بين الأطفال، فوجدا طفلاً عاد من مدرسته للتو يلعب بالحارة، وفجأة يقوم هذا الرجل الصالح ليس بهتك الطفولة بل بقتلها!! (قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا )، هكذا يقرر موسى عليه السلام براءة الطفولة و مظلومية قتلها،لكن القصة لم تنته فتأتي التفاصيل في الآيتين 80- 81، قال تعالى : (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) إذا ذنب الطفل المسكين أنه ابن أسرة مؤمنة،فالرجل الصالح يقتله خوفاً على والديه،فهل يعقل ذلك ؟!!
بهذا الأسلوب الإعلامي أستاذي الكريم عرضت لنا زواج عائشة رضي الله عنها،دون أن تستقرأ الروايات كاملة في القصة وتظهر لنا الصورة الكاملة للحدث وبأسلوب علمي،وحتى لا يضيع القارئ بين القصتين أذكر ختام قصة موسى عليه السلام مع الرجل الصالح ،قال تعالى على لسان الخضر عليه السلام : (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) أي أن القضية قضية وحي إلهي لحكمة أرادها الله تعالى.
وإذا عدنا لزواج عائشة رضي الله عنها فإنها تتفق مع قصة مقتل الغلام من حيث المصدر ،وهو الوحي الإلهي لحكم كثيرة ذكرها أهل العلم،فقد روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( أُريتك في المنام مرتين أرى أنك في سرقة من حرير ويقال : هذه امرأتك ، فاكشف عنها فإذا هي أنت فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه ) برقم 3682 ، وتأمل آخر النص لتعلم أنه من الوحي فرؤيا الأنبياء حق، -إلا إذا أراد الدكتور الفاضل أن يعرض لنا قصة رؤيا إبراهيم عليه السلام مع الطفل إٍسماعيل بذات الأسلوب الإعلامي-ليظهر مظلومية الطفولة والسكين تلمع فوق رأسها!!-
وقضية الوحي قضية مفصلية ومعيارية في فكر المسلم ووجدانه،وهذا يدركه الحداثيون أنفسهم يقول
أدونيس : (لم تعد المسألة المعرفية في الحالين استكشافا للعالم وأشيائه بالعقل والنقد والتساؤل ، بل أصبحت استكشافا للنص ، مفترضة أنه هو الذي قام مسبقا ، وأن حقائق العالم كامنة فيه ، وليس على العارف الذي يريد أن يصل إليها إلا أن يستنطقه ، هكذا نعيش اليوم ثقافيا على المستوى السائد ، في وضع يمكن أن أسميه ب" الاستحداث المرجعي أو السلفي "، وهو نوع من ملاءمة الواقع وتغيراته ، مادة و روحاً ، مع النص الثابت ، النص الذي هو في آن واحد المرجع والمعيار.) الإسلام والحداثة ص 8.
ومن العجيب أن الدكتور الفاضل ينكر رواية من البخاري ثم يستشهد برواية أخرى من البخاري،فيذكر قصة لعب عائشة بالأرجوحة والبنات،فلا نعلم ما المنهجية التي يتبعها؟! وما المعيار الذي يطبقه؟! أما لعب عائشة وحركتها فهذا نوع من أنواع الذكاءات المتعددة وهو الذكاء الحركي ، الذي يدل على روح عائشة وألقها في كنف النبوة،وأما لعبها بفرس له جناحان فهو إبداع خيالي أيما إبداع.
لقد غاب عن مقالة الأستاذ الفاضل البعد الاجتماعي للحدث أو ما يعرف ب( الأنثروبولوجيا الاجتماعية) السائدة في ذلك العصر،وأن الأمر لم يكن أمراً مستغرباً عندهم،فالعرف الاجتماعي يقبل ذلك،و الشرع لم ينزل لتطبيقه في مجتمع دون آخر أو أن يكون المجتمع الغربي وقرارات الأمم المتحدة والجمعيات النسوية هي معيار تطبيقه، والتي تبيح العلاقات الجنسية للصغيرات خارج إطار الأسرة،بل جاء ليناسب كل البيئات سواء الريفية أو الحضرية،فبعض البيئات يكون من مصلحة البنت فيها الزواج،وعلى كل فالأمر على الإباحة ولولي الأمر أن يقيد المباح إن رأى باجتهاد من العلماء أن هناك مصلحة شرعية في ذلك،كما هو حال عصرنا،وهذا ما أخذت به بعض الدول الإسلامية في قوانين الأحوال الشخصية.
وأما قول الدكتور الفاضل(أن صحة السند لا يلزم منها صحة المتن)، فهذه قاعدة عقلية ابتكرها علماء الحديث بطريقة علمية منهجية ،لاحتمال وجود علة خفية أو شذوذ،لكن الدكتور الفاضل يريد تنزيلها على أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى وهو صحيح البخاري،الذي طبق أدق معايير شروط الصحة.
وأخيراً أختم بالآية الكريمة (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) سورة الطلاق(4) ، حيث ذكرت العدة للمرأة التي لم تحض،فماذا سيقول الحداثيون ؟!!
أ.د علي إبراهيم عجين
جامعة آل البيت